قصة تبدأ في ظل العلم والثورة

عام 1967، في بكين عاصمة الصين.
تشهد العالِمة الشابة يي وينجيه إعدام والدها على يد قوات شبه عسكرية. هذا الحدث لا يمثل مأساة شخصية فحسب، بل يُجسّد أيضًا صراعًا ساحقًا بين العلم، والأيديولوجيا، والإنسانية.

تُوصم يي بلقب «ابنة خائن للوطن»، ولتجنّب النفي تُرسل إلى قاعدة عسكرية نائية في منغوليا. تضم هذه القاعدة نظام هوائيات عملاقًا مخصصًا لإرسال إشارات إلى خارج الأرض — وهنا يتضح اتجاه غضب يي.

توجّه كل كراهيتها نحو العلم والكون. لا تتخيل ولو للحظة أن الإشارات التي ترسلها قد تلقى ردًا. لكن الرد المرعب القادم من أعماق الفضاء سيغيّر مصير البشرية بشكل لا رجعة فيه:
«إياكم أن تردّوا».

آثار الثورة الثقافية الصينية

تعود جذور العمل إلى فترة الثورة الثقافية الصينية بقيادة ماو تسي تونغ.
في تلك السنوات، وُصِم العلم والفن والفكر الحر على أنهم «إرث غربي فاسد»، وتعرّض العلماء للإهانة والنفي، بل وحتى للقتل.

تظهر انتقادات ليو تسيشين لهذه المرحلة بوضوح طوال الرواية. وكما في الكتاب، تعالج السلسلة قمع التقدّم العلمي، ووحدة الفرد في مواجهة النظام، ومحاولة الإنسان تحويل العلم إلى وسيلة للخلاص، وذلك عبر رمزية عميقة.

تمثل شخصية يي وينجيه في جوهرها الإمكانات المدمّرة والخلاّقة للعقل البشري في آنٍ واحد.
إنها عالِمة تستخدم العلم لا من أجل إنقاذ البشرية، بل للهروب منها.
وهذا التناقض هو العمود الفقري الفلسفي للمسلسل.

مشكلة الأجسام الثلاثة: فوضى علمية حقيقية

عنوان العمل «مشكلة الأجسام الثلاثة» ليس مجرد استعارة، بل هو مشكلة حقيقية في الفيزياء.
وفقًا لميكانيكا نيوتن، يمكن حساب حركة جسمين سماويين تحت تأثير الجاذبية المتبادلة.
لكن عند إضافة جسم ثالث إلى النظام، تنهار جميع المعادلات.

لم تعد أي صيغة قادرة على التنبؤ بسلوك النظام في المستقبل.
وهنا تولد نظرية الفوضى.

هذا هو جوهر الرواية والمسلسل:
التأرجح اللانهائي بين النظام والفوضى، والتنبؤ واللايقين، والقدر والإرادة الحرة.
كوكب الحضارة الفضائية، «تريسولاريس»، يقع بدوره في نظام مماثل — عالم يتخبّط في الفوضى تحت تأثير جاذبية ثلاثة شموس.

يسعى سكان هذا الكوكب إلى الهروب من كوارثهم، فيبحثون عن حل في أرجاء الكون…
وتكون البشرية هي جوابهم.

الاتصال الأول: أمل أم كارثة؟

في قلب المسلسل يكمن أحد أقدم موضوعات الخيال العلمي: الاتصال الأول.
لكن السؤال هنا هو:
هل سيكون الاتصال الأول خلاصًا للبشرية، أم نهايتها؟

كان ستيفن هوكينغ قد أجاب عن هذا السؤال قبل سنوات بقوله:
«عبر التاريخ، انتهت اللقاءات مع حضارات أكثر تقدمًا بكوارث بالنسبة للحضارات الأقل تطورًا.»

ينطلق ليو تسيشين من هذه الفكرة ليتساءل عن وجودٍ قد تكون فيه التواصل ومشاركة المعرفة نفسها قاتلة.
إشارة واحدة، رسالة واحدة، بل وحتى فكرة واحدة، قد تؤدي إلى انهيار حضارة كاملة.

الطبقات الفلسفية: الإنسان، العلم، والأخلاق

مشكلة الأجسام الثلاثة ليست مجرد عمل خيال علمي، بل هي بيان فلسفي يتناول المآزق الوجودية للبشرية.

على مدار المسلسل، تدفع الشخصيات بالحدود الأخلاقية إلى أقصاها:
هل هدف العلم هو الخلاص، أم مجرد إشباع الفضول؟
هل يجب على العالِم أن يعمل من أجل الإنسانية، أم من أجل العلم ذاته؟

تتغلغل هذه الأسئلة في كل مشهد. فمن جهة، هناك بنية علمية معقدة تنسجها فيزياء الكم، وتعدد الأكوان، ونظرية الألعاب؛ ومن جهة أخرى، سرد رمزي يعكس قدرة الإنسان على صناعة دمارِه بنفسه.

اقتباس نتفليكس: بين الخيال العلمي والتشويق

تم إنتاج مسلسل نتفليكس على يد صنّاع Game of Thrones، ديفيد بينيوف ود. ب. وايس، بالتعاون مع الكاتب ألكسندر وو.
ورغم أن الاقتباس لا يلتزم التزامًا كاملًا بالروايات، فإنه ينجح في تحقيق توازن فعّال لنقل القصة إلى جمهور معاصر.

تم دمج بعض الشخصيات وإعادة تفسير أخرى. كما يشير الموسم الأول ليس فقط إلى رواية مشكلة الأجسام الثلاثة، بل أيضًا إلى الأجزاء اللاحقة الغابة المظلمة ونهاية الموت.
وهذا يجعل المسلسل أكثر ترابطًا، لكنه في الوقت نفسه أكثر تعقيدًا.

نقل جزء كبير من الأحداث من الصين إلى لندن أضفى على القصة طابعًا عالميًا. ورغم انتقاد هذا الخيار باعتباره «هوليووديًا»، إلا أنه ساهم في وصول العمل إلى جمهور أوسع.

ملحمة تتحدى حدود العلم

مشكلة الأجسام الثلاثة ليست مجرد مسلسل أو رواية — بل هي تجربة ذهنية تعيد طرح سؤال مكانة الإنسان في الكون.
لمن يبحث عن النظام داخل الفوضى، وعن الخوف داخل الأمل، وعن المعضلات الأخلاقية داخل العلم، فهذه القصة رحلة فكرية.

سواء قرأت الرواية أو شاهدت المسلسل، فإن ما ستواجهه في النهاية ليس كائنات فضائية فحسب…
بل الإنسانية ذاتها.